حياكم الله وبياكم

أهلا بأصدقاء الحرف والكلمة ..

فلنبحر في يم الكلم ..هنا .. ومنكم نستفيد ونستفيض

الصفحات

مدونة نادي الشعر في اتحاد كتاب وأدباء الإمارات

الأحد، 16 مايو 2010

دراسة نقدية







دراسة نقدية

لديوان \ امرأة الرمل
الشاعرة \ جميلة الرويحي

الناقد الدكتور \ إبراهيم محمد الوحش


ديوان امرأة الرمل هو المجموعة الثانية للشاعرة جميلة الرويحي بعد ديوانها الأول بكاء المطر وبين الديوانين مسافة لغوية متطورة في النضج والإبداع , امرأة الرمل ديوان صدر عن مؤسسة البيان بدبي عام 2006 , هذه المجموعة شكلت قالباً فنياًّ جديداً ممتداًّ من بكاء المطر الذي بلل امرأة الرمل وشكّل سنفونية للإلتزام الشعري وبنية لقصيدة النثر التي يظن الكثير بأنها سهلة التناول بل هي عصية على الكثير ممن يظنون ذلك ..

المدارس الشعرية متعددة والشعر كثير والقصائد قليلة ...والنصوص الجيدة هي النصوص التي تمثل الإبداع الشعري لأن الرديء ممتد منذ العصر الجاهلي حتى الآن ...

ديوان امرأة الرمل يجمع بين ثناياه اثنين وعشرين نصاً شعرياً مقتوحاً ليكون دائرة فنية تجمع أبعاد العملية الأدبية بين الذاتي والعام والفني لقصيدة النثر ..

عنوان الديوان يشي لعنوانات أخرى للنصوص , هذا العنوان هو بمثابة الكشف والضوء , عنوان شعري إبداعي يحمل دلالة ومدلولاً بالمعنى الفني فامرأة الرمل هي النخلة الشامخة ذات الجذر الممتد في عمق الأرض ..أصالة وعروبة وانتماء ...والرمل يربط بين المرأة ونظرة المجتمع منذ القدم للمرأة ...المثل العربي وبالذات في منطقة الخليج وبالذات في السعودية يقول : ( المرأة للجوز أو القوز ) أي الزواج أو القبر ..لكن امرأة الرمل لدى الرويحي شكلت امتداداً أفقياً يجمع بين التضحية والتربية والنماء ..

منذ الإهداء نجد تعلق المرأة بالجذور الآباء وبالمكان الذي يبقى وهو أغلى من كل شيء إنه الوطن ..

عنوان الديوان يفتح بوابات لحركية وقتل للسكون ومقت لبعض الأصوات التي تدور حول همّ داخلي مكبوت يصيبها بهلوسة فتموت ...

تعددت مستويات اللغة في ديوان الشاعرة من حيث : الدلالة والمدلول في المفردات اللغوية أي المستوى المعجمي والمستوى الأسلوبي من حيث التناول والإبداع الفني ...

الذات الملتبسة للشاعرة شكلت هماًّ ممتداًّ من بداية النص الأول اندغم مع هموم الجماعة ليحدث إيقاعاً موسيقياً من خلال الصور المتلاحقة الموجودة في الديوان :


وجع أطلال ص 7
يستيقظ شوق
ينزف على رمال
تتحرك ذاكرة الزمن



أكثرت الشاعرة من استخدام الفعل المضارع بحركية تبعث عن الانفعال والانفلات من السكونية مما شكل ايقاعاً رائعاً , لأن استخدام الفعل المضارع أحد الركائز التي تؤسس لبوح شعري متصل بضمائر لغوية تشكل بنية الخطاب الشعري ..وكثيراً ما نجد في الديوان من الأفعال المضارعة } تبحث ..يستيقظ ..تتحرك ..ينهش ..تنادي ..تنزف ..تنشد {

وهذه الأفعال في معظمها تشكل صوراً ممتدة بخطوطها الصوت , اللون , الحركة , الحياة ...من خلال حوار يولّد امتداداً شعريا في خطوط تتداخل مع ذات الشاعرة المتألمة(زفرات قلب على ولده ) لقد ربطت الشاعرة بين هذه الأفعال بأدوات الجزم في بعض الأحايين

لـم تسعفه شآبيب غيث ص 7

لـــم يــرتو ص 56

إضافة إلى أدوات النصب ( إن – كي – لـن ) التي كثر استخدامها في النصوص من خلال الجمل والتي شكلت نثرية عادية تقريرية , الأولى أن تختزل الشاعرة الجملة الشعرية لتتشظى وتعطي جمالية أفضل ..

أبدعت الشاعرة في نصوصها التي تنوعت بين الوجداني والوطني والاجتماعي في امرأة الرمل ووادي الرمل نجد نصاً كاملا يفتح بوابة من النصوص الرملية التي تعصف بالصمت والسكون والهزيمة فهي تصرخ وتنادي بأعلى الصوت لتشعل عوداً يضيء الطريق للأكفاء في هذا الزمن المقبل على الهزيمة والذلة والعازف عن الكرامة وكل ذلك جاء بخازوق عولمة ..

الرويحي هي امرأة الرمل لأن الشاعر صاحب رأي وهو رؤيوي وإن لم يكن كذلك فأين يــكون ؟!

نفاجأ بكثير من النصوص في كثير من الأماكن لرجال ابتعدوا كلياًّ عن رؤية الشاعر الحقيقي بل شكلوا شلّة تتبني العزوف عن مصداقية الهدف والانحراف نحو الأدنى ( أعطه يا غلام ألف درهم ) ..

الوطن شكل هاجساً شعرياً بل بؤرة تشع لتصل إلى السطح الوطن , الأم , المرأة , الحبيبة , الثأر , الشهيد ..

زغردت له عصافير قلبي
وأشــواقي ص 31
لملمت من طريقه الآلام
أعانق ظلمة الليل
أبحث عن دواء



لا نجوم في سماء الأحلام
لا وطن ص45
يقترب
مازال المطر
في غياهب الغياب



صورة الشهيد تتحرك بخيوطها وألقها عند الشاعرة ..

تــرجّل صعوداً
يا غصن زيتون ص 50
يافارس الكرسي
خلفتنا للشتات المرّ


هذا النص فيه استشراف للشاعرة لما يحدث الآن بعد استشهاد الشيخ أحمد ياسين وماذا حصل وما سيحدث !!

أيها العطر ...السيف ص 53
غدروا
مادروا
كم قدموا
لشموخك الإحسانا


الصوت الفضائي امتدّ مع الشاعرة فهي تنادي بأداة الياء في أكثر من موقف والنداء للبعيد والقريب ...نداء للأمة النائمة ونداء للسيوف الخشبية ونداء للرجال الرجال وشتان بين أولئك ...

يا شمعتي التي انطفأت ص 32
يا بسمتي التي اختفت

يا ولدي ص 36
أين أنت

يا جذر الأجداد ص 39
يا ثرى الأوفياء


تدوير ومقابلة في الجملة الشعرية لدى الشاعرة ..

أنادي ص 40
تنادي

هنا ...
هــناك ...

مفردات ذات وقع تدل على هول الحالة والمأساة التي نعيش استخدمتها الشاعرة لتؤكد وتنذر , وذكرت بأناشيد تبعث فينا الأمل ..

يزحف ....يقضم ص40
ســـهماً ...
بــرقاً ..رعداً ..مطراً
جراد ...جرذان
رياح هوجاء ...

التضمين موجود بين ثنايا النصوص

" بلاد العرب أوطاني " ص23
" لن تستطيع معي صبراً " ص57
" وبالوالدين إحساناً " ص35

" وإذا كانت النفوس كباراً تعبت في مرادها الأجسام " ص34
" وليل كموج البحر أرخى سدوله " ص61
" ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل " ص 61

" واحر قلباه ممن قلبه شمم " ص 84

لقد وظفت التضمين في نصوصها توظيفاً صحيحاً مما أعطى دفقاً معنوياً وايقاعاً وايحاء بالواقع من خلال هذه المفاتيح الدينية واللغوية والأدبية رغم أن المفردة عند الشاعرة سهلة ولكنها استخدمت الرمز الذي قدمت له المفاتيح مثال ذلك هذا الغموض الجميل


من بقايا ص 28
أمل ٍ
وطهرٍ
وشمس


غموض جميل يجعل القاريء يطوف عبر مسافات مكسّرة ..هذه هي رسالة الشاعر وهذا هو المتلقي ..

أفعال الأمر واضحة جلية لأنها تدلل على الواقع الذي نعيش وتشير إلى الخلل باستخدام ( أيها + فعل الأمر ) ..لقد طغى السيل حتى غاصت الركب ..لم يبق متسع للوقت ..أصبحنا كقصبة قش تذروها الريح أنى تشاء ...

أيها الساقون ص 106
قم أيها الثائر
قم للأرض
قم جرّد
قم تذكر

تــرجلّ ...ترجل ص 107
اسمُ فوق الداء

اسمع الخطو ص 103

لقد لعبت الشاعرة على الضمائر : المتكلم \ المخاطب \ الغائب - وهذه الضمائر هي بنية الخطاب الشعري , ولقد استطاعت الشاعرة أن تقدم لنا ضمائر من خلال صور جميلة واستعارات في معظم قصائدها ولكنها كسرت الصورة من خلال المضاف والمضاف إليه في بعض الأماكن :


أفعوان العصر
الأم الأرض
يرقص فوق النار
يصارع المنية
لا يحط عصا الترحال
أهوي مثل ورقة صفراء :

كل ذلك يشكل ايقاعا يندمج مع المعنى ليفجر فينا اللغة البكر واللغة الكافية في نفوسنا ..لأن الشعر يحول الإيقاع إلى لغة نتحدث ونكتب بها ...

إن الشاعرة في ديوانها استطاعت أن تضيف لبنة جديدة وإضافة إلى قصيدة النثر التي تعتمد على التفجير والنهايات غير المحددة والمرونة في الكتابة لأنها لا تمجد ولا تقدس بل تضيف إضافات نوعية من خلال بعد حضاري ...وهذه هي وظيفة الشاعر الحضارية .

هو صاحب رسالة : مرسل مستقبل متلقي
الشيفرة المخيلة البصرية + المخيلة السمعية
الغــموض التغميض
القوة ___________ الركاكة ( السطحية )

رسالة الشاعر تنقل إلى المتلقي عبر خطوط تنقل شيفرة تصطدم بالوعي الممكن والمخيلة البصرية والمخيلة السمعية لتفك رموز الشيفرة ...أو ترتد دون فهم لما جاء فيها .

جميلة الرويحي في هذا الديوان هي امرأة الرمل عاشت وعاركت الحياة أصابها الظمأ فظنت السراب ماء .. تقدمت وإذا بسياج يحيط بالأرض صخب وصمت وغناء سحب ...وبكاء امرأة على ولدها ... ووطنها تشريد ...التحاف ماء ...لهيب ..ليل وحداء ...تقدمت مع المدى بصدر وامق إلى وادي الرمل رغم عذابات الروح ...

ديوان فيه إبداع شعري لصوت إماراتي يتقدم بقوة إلى الأمام ...



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق